كان يرتدي ثيابة الفخمة التي توحي بالأرستقراطية ولكنه كان بنصف وعي مشوش دون تركيز تمرق في مخيلته سهام الذكريات وشهب الخواطر ونيازك الأفكار احس بتعب مفاجئ فجلس علي السرير امام المرأة ونظر بجانب عينه ليلمح طيفه المتعب وهو يجلس ببطء و فجأة تخيل نفسه عاريا وسط الاف العراه ملطخ الجسد ومعفر الجبين ومن فوقه الفضاء يبرق والرعد يقصف ولكن لا توجد سماء والناس تساق الي مصائرها في هول وفزع مشهد لثانية مر وكأنه قرون ثم زاد التعب واستقر في جلسته وهو يخلع رابطة العنق ومازالت توابع مشهد القيامة تعصف بكل قيم الحياة التافهة الا الحق والباطل وتذكر اول راتب حصل عليه ولم يكن قبلها يدري ما قيمة المال وكيف كان المبلغ قليل لا يتناسب مع ذلك المجهود وكيف ظلمه واستغله المسن صاحب العمل واستغل جهله بتقدير الأجر وحاجته للمال وبعدها بشهور علم أنه ظُلم ولكن سامحه ولم يحقد عليه كعادة الانقياء وبداء يشعر بقليل من الراحه عندما أحس بأنه كان ذات يوم من الفقراء المستضعفين وتذكر انه بذلك المال قام بشراء لبن لأخته الصغيره (اخته من ابيه) وعاد الي بيت جدته الذي_ تسلل منه اول النهار_ وهو يحمل الطعام له ولجدته واللبن لأخته اليتيمة التي مات أبواها في حادث منذ عدة أسابيع وكيف دعت له جدته وهي تبكي من الفرحه تاره ومن الاحزان تارات بعد أن ظلت طوال اليوم تبكي عليه حين تسلل من ورائها وذهب ليعمل فذهب طفلا وعاد رجلا في يوم واحد وبعد أن شربت اخته اللبن كان ينظر إليها في سذاجة عارمه ويسألها ايه رأيك يا بطة اللبن حلو فكانت تنظر اليه وتبتسم وهو يظن انها تقوله نعم اللبن حلو وكانت في الحقيقه تبتسم له لأنه الوجه الوحيد المألوف في عالم اليتم الغريب وتراي فيه الأمان لان في وجهه الصغير بقية من ملامح أبيها المتوفي الي رحمه الله وتركها وهي بنت العام والنصف واغرورقت عيناه بالدموع وتنهد بقوة ففرت من عينيه الدموع فدخل عليه حفيده الاقرب الي قلبه فنظر إليه وابتسم فضمه وقربه وقال له هتزعل عليا لما اموت فرد الصغير ببراءة الأطفال وعينان لامعتان لا مش هزعل فنفجر الرجل بالضحك واستعاد وعيه وعاد من جديد للعيش في دنيا الناس الخيال والذكريات.
قصة قصيرة بقلم/ أبوبكرعباس المحامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق