علمتني وظيفتي....بقلم الشاعر حسين حطاب


 علمتني وظيفتي


علمتني وظيفتي…

أن الطباشير ليس مسحوقا أبيضا

بل غبار أرواح يذوب على السبورة

ليصبح نهر معرفة

يسقي العقول العطشى.

علمتني…

أن الكلمة التي تلقى بين جدران القسم

قد تخرج سيفا في يد طفل مقبل

أو غصن زيتون في كف غد قادم.

علمتني…

أن الصمت في عيون التلاميذ

ليس ضعفا

بل مكتبة سرية

تنتظر لحظة الفتح

ليتدفق الحبر من عروقها

على دفاتر العمر.

علمتني…

أن السبورة سوداء

لكنها تنجب بياضا أوسع من السماء.

علمتني…

أنني حين أُمسك بالطبشور

أشعل شمعة في روحي

كلما ذابت

إزداد القسم نورا.

علمتني…

أن التربية ليست مهنة

إنما هي صلاة طويلة

يؤمها القلب

ويؤمن عليها التاريخ.

علمتني…

أنني أزرع في التلاميذ

أكثر مما أزرع في الأرض…

وأن حصادهم أعظم من قمح الوديان

لأنه حصاد إنسان.

علمتني أن السؤال أقدس من الإجابة

فالأجوبة تذهب وتأتي والأسئلة تلد عوالم.

علمتني كيف أصغي للصوت المرتجف داخل فم طفل خائف

كيف أقطع عليه طريق الهزيمة بكلمة واحدة من ثقة صغيرة.

علمتني أن أمتلك مليون لغة لصمت واحد

كيف أترجم خوف التلميذ إلى ترتيب للأحلام

وكيف أجعل الجدول المدرسي مسرحا للكرامة  لا دفترا للحفظ الجاف.

علمتني أن المعلم لا يموت مع التقاعد

بل يبقى في خط مكتوب على كتف زمن ما

في كتاب يسقط ضوءه على منازل أخرى

في ذكرى تلميذ صار أبا وعلم بدوره أصغر من كان.

فإن سألتني الآن ماذا علمتني وظيفتي؟

أقول: علمتني أن أكون إنسانا قبل أن أكون معلما

أن أُدرك أن  المهنة بطولة ليست في الشهادة

بل في الفجر الذي تضيئه طباشيرنا على جباه الأطفال.

حسين حطاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل اقول قصيدة؟....بقلم الشاعر علي الهادي عمر أحمد

 هل أقول قصيدة في مدح من يحلو لدي الحديث أم أتغنى بالحروف عشقا في ذكر من بالقلب يسكن الوريد وتظل أحرفي ترقص فرحا في هوى من جعل القلب عبيد وي...