________________________________
الاسم / سهير إدريس **
الصفه / شاعرة وقاصه
** نص نثري بعنوان **
**** كبِدُ الحقيقة ****
----------------‐-----------------
كان متهدجاً ذاتَ مساء في مصباحِ ألمِه الدُرّىّ ،
يصارع أمواجَ الصخب ، ويترنم في تسابيحها الهوجاء الغائصة في مراقد الزَلل ، والدمع يتقطرُ من عيونٍ أرّقها الغيابُ ووحشةُ الفراق ...
نادى بملء فيه : أين أنتِ يامهجة الروح ، أين السبيل إلى مساكن اللقاء ومنافذ الاحتواء ، وهل يعز علينا اللقاء بعد طواحين المرار التي أثقلت كاهلى
وأفنت مواردى ، لم أكن ذلك المحب الذي تهواه أفانين عشقِها المرمري ، لم أكن أمتلك عصا موسى لتغيير مسار الهوية وتذليل مصائب الدهر ، لم أكن يونس لأحتمي ببطن الحوت وأفرّ من المجهول ، لم أكن آصِفَ لتفسير مسمى هذا الحدث المروّع ، لم أكن كنعانَ يلهو عاصياً آوياً لجبلٍ يعصمه من الماء كى نغرقَ سوياً كعُصاةٍ لكن أحباء ...
فهل لى حكمةُ سليمانَ لتذليل جماجمِ مطامحك
أيها السراب دع مسالكى
تنحَّ جانباً لاتحاصرنى كذئبٍ لا يقدم اعتذاراً
قبيلَ التهام فريسته .
أيها المحال لِمَ أضنيتنى وأضعتَ من قلبى المنال ،
فهل ثَمّةَ ولوجٌ لجمل في سَمّ الخِياط ؟
رجاءً لِترضخى لنداء قلبي
انزعي رداءً دنِس الكِبر
وشاطرى فنجاناً أسيرا
يلثم شِفاهاً جَفاها الرحيق
وكأساً ظامئاً فارغاً باحثاً عن آبار الارتواء ، فهل لسليمانَ أن يُعيِرني خاتمه لأمتلك فؤادَ هذه العنيدةَ المرابطةَ لموقفِها تشاطره كل بينة ، تؤازره في كل تنهيدة ...
هل لي أن أفسر أحداث القدَر وتدابير الزمن في رواق أعاصير خواطري ...
قد أصبتُ كبِد الحقيقة ،
ورأيتُ بريقاً يخترق مقلتي ينادي هيامي التائه منذ زمن بعيد
هذا البريق كنتُ له متابعا ، فإذا بها تتدلى بتاجها المزركش كأنها أميرة الدلال ، مضمخةً بهذا الثمِل الولهان وبرمقةِ زرقاءِ اليمامة في حِدّتها ، تحتمى بثيابٍ فضفاضةٍ تخترقُ كلَّ اتجاهات البوصلة بخطواتٍ مهندمةٍ في نعالٍ فادحةٍ كصهيلٍ يشقُّ آذان الرابضين . سألتها هل أنتِ هى أم ذلك هاجسٌ قد اعترانى
أم لعلى امتلكتُ خاتم سليمان . فردت قائلةً :
نعم أنا هى ، لِم استدعيتني وأرّقتَ مرقدى وأضجرته ، حتى أتيتُكَ على غير إرادتى وأنا في وضعية قَوس قزح ؟
فنظرتُ إليها والتقطتُ أنفاسي المنهكة من هول المفاجأه . هل الهيام والوحي أحن علىّ من هاتِهِ الغازيةِ لمكامن قلبي ونوارس أنسي
صائدةِ القلوب ...
ولازالت كل المشاهد والأحداث متعاطفةً معي إلا قلبُ هذه الأميرةِ المتوجةِ على عرش الأفئدة ، لم يكن لمهباجها صدى إلا على رأسى وقلبي
وكأنه صُنِع خصيصاً لأجلى ،
لقد خارت مجاديفيى واختلت موازيني
ناديتها هَلُمّي إليّ لتطبيبِ وجيعتى وإزاحةِ ثِقَلٍ أدمى مقصدى ، قالت أنا لا أبالي بنقيق حزنِك المخيّم على شفق منهلى، سأظل في بوتقة آمالى التى لم تُؤتكِ يوما ...
قلت لها إذاً انصرفى ،
قالت لا أستطيع ، فقلتُ في نفسى : فلماذا لاتستطيع ؟ ، لقد ساورتنى الحيرةُ وعصفت بى الشكوك ، هل ياتُراكَ تحبنى وتكابر ؟ ، هل تتخد العناد نهجاً تنهجه ؟ ، أم إنها قد صارت لَعوبةً بعواطفي تؤرجحني يميناً وتعيدنى يسارا ؟ ، رجاءً انصرفى ، لا تعاودي المجيء ، دعيني وشأني في تباريح الانهزام وهاوية السقوط وشراشفِ الأشجان ، فعروشُ نخلي خاويةٌ أصابها وهجُ افتقارٍ قد أشعل شيب رأسى قبل أوانه حتى ودّعت نبضَ الاخضرار ،
وأنا أواعد الذبولَ في مرارة اصفرار ،
فإلى أين يسير الملتجأ ،
وإلى أين يكون الفِرار ؟
حينها سمِعت صوتاً آخر
وكأن شخصاً آخر على مقربة
منا يقول :
لا لن أنصرف ، كيف أتركك في سويعاتِ الليل وآنائِه ؟ ، أخبرني ياصهر مواجعى ومِلح مدامعى ،
لقد هشّمتَ أسوارنا بعد سمو وارتقاء
وأشعلتَ نار الأصفادِ في قلبى الأسِيف ، إنه صوت نابع من جهةٍ أخرى ليس لها
فإذا بي أهتز بوخزة يدٍ بعيدةٍ عني ، لكن
لم تتحرك شفاها حينئذ ...
كيف لي بهذا الاهتزاز ؟ ، إنى سمِعت هذا الصوتَ
يناديني ثانيةً :
كيف أترككَ وأنت تثرثر طوالَ هذا المساء حتى تأرّجَ الفجرُ وَضَاءَ النهارُ بازغا ...
قم استيقِظ من منامك خائنَ العشرةِ وباخعَ القلبِ حتى صار كدميةٍ رثيثةٍ لاقيمةَ لها ، أيها الجاحدُ روافدَ الوصال قاطبة ...
لم أكن حبيبتَك ، أنا زوجتك ...
لقد أفشيتُ سرّك في جُنحِ الظلام واختلاسةِ المنام ،
هذا صنيعكَ العجيب سيدى أسيرَ الغرام !!!
بقلمي / د. سهير إدريس ***

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق