موسم الحصاد
قيل أن أحدهم كان لديه قطعة أرض في احدى البلدات المعروفه بغلتها و وفرة الخير فيها و كان قد رمى فيها بذوره في موسم البذر كغيره من المزارعين .. من أهالي بلدته .. فمرت عليه يوم، يومين، ثلاثة أيام، بل و تجاوزت أكثر من ذلك أسبوع الى أسبوعين أو. ثلاثة أسابيع و لم يرى .. الزرع ينبت كعادتهِ منذُ ثاني أو ثالث يوم من حين وضع البذور في تراب مزرعته .. آسوةً بأراضي المزارعين الآخرين المجاوره لقطعة الأرض خاصته و التي أنبتت زرعها كما لم تنبت مزرعته و كبرتْ تلك الزروع خلل فترة الثلاثه الاسابيع عدا أرضه التي ظلت قاحله و لم تُنبت حتى ولو بعض البصيلات المصاحبه لنمو الزرع مما أثارت علامات التعجب عليه وعلى الكثير من المزارعين و الأهالي في البلده و بانت عليه حالة الاكتئاب و التي كانت ظاهرةً للعيان .. و بدأت تتضاعف في كل يوم .. و بينما هو على هذا الحال و في ذات يوم و هو غارقٌ في تفكيرهِ و قد بدت عليه علامات التعجب اللامتناهي.. تغرقه لحد أذنيه الغليضتين. حتى وصل به الأمر الأكثر إدهاشًا و حيرة إلى الانهماك بالتفاكيرحتى كاد أن يُقضي عليه تمامًا ولكن دون جدوى و لازال الوضع على ماهو عليه وكان الوقت قد دخل على بداية الاسبوع الرابع من بداية موسم البذر ..إضافة إلى ما عاناهُ في الاسابيع الثلاثه التي سبقت أسبوعهُ الأخير .. حتى كاد يتسآل هل البذور التي زرعها لازالت صالحًه تحت الأرض أم أنها قد فسدت .. فإذا به قد عزم على أن لا يتعب نفسهُ أكثر من اللازم فحين ذاك بدأ يحس بالتعب و الارهاق وقد بدأ يخشى على نفسه من الهلاك بسبب التفكير المفرط و الذي لا يوصله إلى أي نهاية أو حد لإنهاء معاناته .. وفي الاخير قرر أن لا يتعجل في أمره و سيرضى بما كتب الله تعالى و أراده له وقرر أيضا أن يصبر و أنهُ سيمكث في بيته حتى لا يرد على أذية الناس له اذ اصبحت ألسنتهم تتناوله صباح مساء و لا يملون أو يكلون فلا زالوا يضحكون ويمرحون ويتعجبون على حاله و ما آل إليه ولكنه مالبث إلا أن زاد إصرارا و تصميمًا على تركهم بشماتتهم و أكتفى بالدعاء و حسب ... فإذا به بالاسبوع الخامس يدخل عليه .. إذ خطر على باله أن يذهب إلى مزرعته صبيحة اليوم الثاني.. ليحفر و يتأكد من حال البذور و فعلا على أول طلوع للفجر تحسس بعض أدواته .. مفرسًا للأرض وفأسًا و عصاته التي لا تفارقفه أبدًا وطلع على بداية أول تنفس للطبيعه الخلابه التي بدأت تصحو على ولوج أول نفوذ لخيط الضوء الخافت بأصواتها المترنمه على إختلاف إيقاعاتها ونغماتها بمصادرها المتنوعه التي تنبأ عن أول بزوغ بداية نهار اليوم الجديد بعد سدولٍ دام بإحلاكهِ الشديد ليلةً كامله وكان ذلك اليوم يوم عطله رسميه يرتاح فيها الجميع نهاية كل اسبوع فينامون ولا يذهبون إلى العمل .. إلا القليل منهم ممن يتوجب عليهم العمل طوال أيام الأسبوع دون توقف وهكذا بدأ يحث الخطى نحو مزرعته إلى أن وصل الى مبغاهُ الأخير و إذا بهِ متفحصا تربته في أرضية المزرعه المترامية الأطراف ذات المساحه الشاسعه فما لبث إلا قليلًا حتى رأى تصدعات و تشققات غريبه في التراب فزاد بالإقتراب أكثر فأكثر فإذا به يكاد يرى أول بوادر للنتوءات الصغيره التي بدأت تتفتق بين شقوق التربه . وفي تلك اللحظه أيقن أن عليه العوده الى المنزل وبدأ يهرول مندفعًا نحو منزله حتى لا يراه الناس تجنبًا لألسنتهم الحاده ومع ذلك في طريقه إلى البيت بالصدفه بدأ يسمع بعض الهمهمات تصدر من الأهالي من هنا وهناك وهم يتكلمون عن حاله وعن أرضه التي أصبحت متصلبه ولا تصلح للزراعه كالمرأه العاقره تمام و أنهم لا يبقى لهم إلا شهر كامل و أنهم سيجنون الثمار ... بقصد منهم إسماعه تلك الكلمات التي نزلت عليه مثل السكاكين من كل حدبٍ وصوب و لازالوا يلحون وينهالون عليهِ بأسألتهم وعن أحاديثهم الجانبيه التي تتسلل بين الحين و الآخر إلى أُذنيه فمنهم من يسأل عن حاله ومنهم من يشمت به و منهم من يثير الأسئله بقصد أو بدون قصد لماذا حدث له كل هذا وهو الذي كان معروف عنه أنه صاحب أكثر غله و أكثر محصول فإذا به كالجلمود .. بصمتهِ لا يقدر حتى على التكلم .. أو الخروج من بيته لمواجهة الناس عجيب عن أمر هذا الرجل كما قال أحدهم كيف كان و كيف أصبح وبدأ يهلوس ويقول بعض الكلمات التي لامعنى لها يضحك كثير ويوزع الابتسامات هنا وهناك و هو يدرك تمام ليس بعد حتى يصل الى هذه الحاله . ولكنه أراد أن يرى حال هؤلاء الناس إلى أي حد سيكون معروفه القديم قد قطع بهم أم أنه سيكون كالهباء المنثور .. أمام أعينهم فبدأوا يشكوا بأنه. أصبح مجنونا رسميا كما حاولوا أيضًا أن يوصلوه لتلك المرحله الحرجه التي قد تلقي به في هاوية الهستريا والخروج عن نطاق العقل و المنطق و الدخول في نطاق العقل المفقود .. وهذا كان ما قد فعلوا بهِ فعلًا بدلًا من التخفيف عليه أو التهوين عما أصابه من مصابٍ و هم و غم و كربٍ عظيم.. وهكذا كان أيضًا قد أقنعهم فعلًا بذلك كما يحلو لهم و كما خطط ودبر وكان لهم ما يشاؤون لهُ .. لدرجة أنهم اصبحوا يقولوا هذا الرجل يكاد لا يفقهُ قولا وهو يسمع كل همزةٍ وهمسه تقال عنه ومن هو صاحبها.. فمنهم من يقول قد عاقبه الله لانه كان لا يحمد الله على نعمه و كان لا يعطينا وهو يحصد أكثر منا و يذهب بالخير إلى خارج القريه و بينما كان في الحقيقة على العكس من ذلك تماما بل و كان اكثر الناس عطفا على الفقراء .. وكان يذهب بالخير إلى أمكان بعيده ليعطيها مستحقيها .. فكثرت الأقاويل و أنتشرت بين الناس قصته كيف عاقبهُ الله لانه لا يحسن التصرف .. بماله و كان مبذرا ..بل زادوا على ذلك أنه كان يرتكب المعاصي .. و لن يتوقف الحديث عنه في السنةِ الناس و في ذات يوم مر فقير من أؤلائك الذين كان يحسن إليهم من قبل وهو على نفس الحال و كان الوقت لم تمضي سوى ثلاثة أيام فقط من الاسبوع الخامس و رآه مركونًا في إحدى زوايا سوق القريه فتعجب من حالته هذه وإذ به يسمع عن قصته من السنة الناس التي لازالت تقطعهُ إربًا إربا ..ولم تأخذهم بهِ رأفه ولا رحمه حت أشفق عليه الرجل الفقير و أجهشت به نفسه عندما حاز فيها من حنقٍ يدفعه دون تردد إلى البكاء دفعة واحده و لم يستطيع التحمل .. على حال هذا الرجل الكريم والعزيز صاحب العطاء والفضل الجميل على كثير من الفقراء و المحتاجين حتى خر ساجد لربه وقال ياربي هذا الرجل الصالح الذي كان يرحمنا نحن الفقراء لن يتركنا يوما و قد تخلى عنا جميع هؤلاء الناس الذين لا يترددون حتى يشمتون بحاله وهو افضل منهم و اكثرهم خيرا واحسانا ورحمه فإن كنت يارب وانت من في قولك ((من ذا الذي يقرض الله قرًا حسنا فيضاعفه له )) أعلم و أخبر بحاله فكيف إن كان هذا من المحسنين .. ونحن لم نرى منه الا خيره . فمرت الأيام و مر شهرا كاملا وأتى موعد الحصاد و إذا به زرعهُ قد اصبح جاهزًا كزرع الاخريين في غضون أسبوع فقط من نهاية الشهر الثاني لموسم الزرع .. و إقتراب موسم الحصاد بل والغريب أصبح زرعهُ أكثر كثافه وغله وكان السنبله الواحده تتفرع منها عشر سنابل ناهيك عن حجم السنبله الواحده الذي أصبح بحجم عشر سنبلات من سنابل الآخيرين .. و إذا به يعود إلى رشده تدريجيا أمام أعين الناس .. وهم بنظرون .. و علامات الاستغراب على أعينهم و قد حدث العكس تماما .. مما كانوا يتوقعون فإذا بالخير و البركه يشحان في محاصيل الآخرين بل وفسدت نصف محاصيلهم و بقي النصف .. فحسدوه فاتهموه ولابد و أنه هو من صنع السوء بمحاصيلهم . حتى تلفت نصفها.. و ما فعل ذلك الا حسدا من عند نفسه كما سولت لهُ ..ذ حتى لا تأتي محاصيلهم بقدر محصوله هو.. كما يتصورون ... فقرروا أن يجتمعوا في شأنه ليروا ما يمكنهم أن يصنعوا به ...فبدأوا يفكرون كيف يفسدون عليه محصوله ولكن أحدهم قال لهم أفلا تعقلون ؟؟ و ماذا سنأكل إذا نحن أفسدنا محصوله ... فتراجعوا عن قرارهم في آخر لحظه ... فعادوا و قرروا مجددًا بأن يرفعوا عليه دعوه إلى القضاء بأنه وضع سم أو سماد فاسد أو شيء من مواد ضاره على زروعهم في حين وضع سمادا نافعا على زرعه .. و هكذا أتفق عليهِ الجميع و أنهم سيشهدون لبعضهم البعض ضده .. وهكذا زادوا إصرارا و إكبارا على أن يكيدوا به كيدهم .. فذهبو إلى القاضي و شكوا له من هذا الرجل الذي أصبح في نظرهم معتدي .. فأستدعاه القاضي على الفور و بدأت جلسة التحقيق و المحاكمه فقال له القاضي موجها له أول سؤال .. كم تحصد في كل عام من الخير ؟؟ فقال له كذا وكذا .. فقال له كم حصدت في هذا العام ؟؟ قاله له كذا و كذا .. فكان ما حصد في ذلك العام كما قُدِّرَ .. بما يزيد عن مائة ضعف عما كان يحصده في العام الواحد من قبل .. فسأله هل تعطيني سببًا منطقيًا. لهذه الطفره العجيبه في محصولك وقلة محصول الناس .. و انقلاب موازين الحصاد في اخر لحظات هذا الموسم... ؟؟
فأجاب .. حين نرمي الحبه في الأرض هل كنا نضمن عدم فسادها في التربه قبل أن تنبت ؟؟ و إذا بها تشق الأرض نحو السماء و تخرج و تصير زرعا هل كنا نضمن حصادها .. أم أن الذي هيأ لها كل تلك الأسباب و الظروف .. وجعلها تؤتي أكلها ؟؟ فهو كذلك من سيهيء تلك البراعم الصغيره بعد إن غُرست في التراب الطاهر لتنبت عروقهم و تجذرت في حشا الأرض ليصيروا جزئًا عزيزًا لا يتجزء من هذا الموطن . الغالي .. أم البشر هم من ...... ؟؟ و هل يقدرون على شيء .. ؟؟ و هل يستطيعوا أن يمنعو تلك الحبه من أن تشق طريقها من بين التراب .. فتخضر وتأتي أكلها .. أو يجبروها أن تغير مسارها نحو باطن الأرض في دهاليزها المتشعبه ؟؟ فقد يبدو شكليًا أن البشر هم من قاموا بذلك لكنهم في الحقيقه لن يغيروا شيء ... و هذا ماحدث تمامًا ..
يرمي البشر بذرًا في التراب .. عملًا بالأسباب .. .. فهم لا يستطيعون أن يضمنون حتى سلامة البذر نفسه أو فساده داخل التراب قبل أن ينبت . و إذا نبتت تلك البذور فهم لا يستطيعوا أن يضمنوا جودة المحصول..لانهم بشر ليس بمقدورهم أن يغيروا شيء مالم يريد ذلك مالك الاشياء الحقيقي و لكن التغيير لا محاله منهُ آتْ ..
و بإذنه تعالى مسبب الأسباب ومقلب الأحوال و القلوب و له العاقبه و إليه المصير ...
✒️ قلمي/ ...... مروان سيف
كأول قصه أكتبها ...
ولم أكتب غيرها حتى نهار اليوم الخميس الموافق ٢٠٢٢/٠٢/٢٤.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق