الجميع يكتب والقليل يقرأ.. ما الأمر؟
في زمنٍ يُوصف بأنه عصر الانفجار المعلوماتي، صارت الكتابة في متناول الجميع، منشورات على فيسبوك، تغريدات على تويتر، مدونات، فيديوهات، ورسائل على واتساب. لكن وسط هذا السيل الهائل من الكلمات، يطفو سؤالٌ مُقلق: لماذا يكتب الجميع، بينما يبدو أن أحدًا لا يقرأ؟ هل تحوّلت الكتابة إلى مجرد صرخة في فراغ، أم أننا نواجه أزمةً في ثقافة الاستهلاك الرقمي؟
الأسباب: لماذا نكتب أكثر مما نقرأ؟
1. سهولة النشر: أدوات التكنولوجيا جعلت النشر كالنقر على زر. لم يعد الأمر يتطلب مهاراتٍ خاصة أو مراجعةً دقيقة، فكل شخص أصبح ناشرًا ومُعلقًا ومُبدعًا.
2. السعي للظهور: في سباقٍ محمومٍ لتحقيق الشهرة أو التعزيز الاجتماعي، صار الهدف هو الكم لا الجودة. "أنا أكتب إذن أنا موجود" أصبح شعارًا غير معلن.
3. ثقافة التلقي السريع: أدّت وسائل التواصل إلى تقليص مدى الانتباه. نقرأ العناوين فقط، أو نكتفي بمسح المنشورات تمريرًا سريعًا دون تعمق.
الآثار: حين تصبح الكتابة بلا معنى
تشويش المحتوى: غابة من النصوص العشوائية تُخفي المحتوى القيّم، مما يُصعّب على القارئ العثور على ما يستحق القراءة.
تآكل الحوار: الكتابة دون قراءة تُنتج حوارَ صُمّ؛ فالكل يُلقي بكلمته، ولا أحد يصغي.
انتشار المعلومات المضللة: المحتوى غير المقروء جيدًا يُشارك دون تمحيص، مما يعزز الشائعات والأكاذيب.
الحلول: نحو توازن بين الإنتاج والاستهلاك
1. ترشيد النشر: التشجيع على الجودة لا الكمية، عبر تدريب الأفراد على الكتابة الواعية، والتحقق من المصادر قبل النشر.
2. تعزيز ثقافة القراءة النقدية: كحلقة دراسية أو منصات تُعلّم كيفية تحليل النصوص وتقييمها.
3. تحسين خوارزميات التوصية: على المنصات تحمل مسؤولية ترشيح المحتوى المفيد بدل تعزيز الإثارة فقط.
4. التوعية بأهمية التفاعل الواعي: تشجيع المستخدمين على القراءة قبل الإعجاب أو المشاركة، والتفاعل مع المحتوى بعمق.
ختاما:
الكتابة والقراءة وجهان لعملة واحدة؛ فبدون قراءةٍ واعية، تتحول الكتابة إلى حوارٍ مع الذات، لا إلى حوارٍ مجتمعي. ربما حان الوقت لنتذكّر كلمات الفيلسوف الفرنسي ديكارت، لكن بصيغةٍ معاصرة: "أنا أقرأ إذن أنا أفهم". فلنعيد للقراءة مكانتها، كي لا تصبح كلماتنا مجرد أصداء في عالمٍ رقميٍّ صاخب.
مقولة ختامية:
"الكلمةُ غير المقروءة كالشجرةِ التي تسقط في غابةٍ بلا أحد، لا صوتَ لها." — إعادة صياغة لحكمةٍ فلسفية.
طه دخل الله عبد الرحمن
البعنه == الجليل
6/03/2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق