أعلن اِنسحابي....بقلم الشاعر شاكر هاشم محجوب


 ~أعلن إنسحابي


بقلم شاكر هاشم محجوب - جدة


‏هناك أشياء صغيرة تسكن في القلب كلما مرت على البال ننتفض لها بالفرح والسرور، كمحطات صغيرة تظل عابقة في الخيال، لا تمحوها السنين ولا الظروف، قد يكونوا أشخاص أحببناهم وقد تكون أماكن جمعتنا بهم أجمل الذكريات، نتذكرها نتنهد فنبتسم، وكثيراً ما تتبع هذه الإبتسامة دمعة غريبة، ربما دمعة حزن غارقة في بحور الندم، وربما دمعة إشتياق مغلفة بالحب. 


   ‏كم يؤذينا تفريط من نحب بنا، يؤذينا عدم إهتمامه، بروده الدائم، وغيابه، رغم كل هذا لا نتوب عنه، نمارس التودد له بغباء متناهي. فجأة ترى أنك بالفعل أستهلكت نفسك كلياً، تكلمت.. شرحت.. بررت بما يكفي لكن بلا فائدة حتى يأتيك الشعور بأن طاقتك قد نفذت، وأن شموخ كبرياءك يتساقط، فتتوقف عن الكلام وتبتعد، تذهب لأقرب ملاذ لك لتختلي بنفسك وتقترب منها أكثر، وتبتعد عن الحب وربما تقفل كل أبوابه. 


    أعترف أنني بفضلك تعلمت الشعور بوجودك وأنت لست معي، متجاوزاً كل حدود العقل والخيال والمسافات التي بيننا في الوقت والزمان والمكان الواحد، غرقت وغرقت معي مشاعري في غموض بحورك، ملكتي عقلي وقلبي وروحي، فكانت إبتساماتي ونظراتي وأنفاسي وهمساتي وتاريخي وعنواني لك وحدك، لدرجة التي ظن معها الجميع بأنني في حالة جنون، لم يدركو أنني مجرد عاشق مجنون.


   ‏هل أجرمت حينما أحببتك، ومنذ متى كان الحب جريمة عقوبته الفراق، وما جدوى القلب إذا لم يغمره الحب، حرمتيني حتى أن أكون صديقك والكتف الذي تريحين رأسك عليه، تختبئين في صدري وترتشفين الحنين من بين أضلاعي، فأمنحك لحظات حانية تلقي فيها حمول همومك وتزيحينها عن صدرك، وتغفين على صوتي الدافئ قريرة العين بين أنفاسي، أكون لك كالشجرة تحملك وتحميك بين أغصانها وأوراقها حتى آخر رمق في الحياة. 


   ولكن وكما تريدين أعلن أنسحابي من كل شيء يربطني بك في الماضي والحاضر والآتي، سئمت التمسك بك وبكل شيء هو لك فأنت الآن لست إلا مجرد عابر ضل طريق الحب، وسأتعلم كيف أكون بدونك، وكيف أرمم شروخ قلبي، سأتجاوز كل الأيام الصعبة إن وجدت بكل ثبات، لن أقف على أرصفة الاشتياق تحت ظلال الحنين أتأمل الذكريات، مللت سمائك الملبدة بالغيوم فقد أشتقت للشمس وللنور والطيور، سأودع حروف إسمك حرفاً حرفاً بصمت يليق بحجم الأسى والحب.


     آه كم أحبك وكم يجبرني كبريائي على الرحيل وحينها ستخسرين، ويوماً ما..سيقف أمامك ماضيك يدق أبواب ذكرياتك، ستنظرين إلى الوراء وسأكون بإنتظارك لأخبرك، كيف قتلتيني.. كيف سلبتي مني الروح، وجعلتي جسدي تائهاً بقلب يشكو الوجع وللحب ظمأن، سيتكدر صفو أيامك، وتبقين وحيدة في عتمة الليل، وربما يطالك الإنهيار، سيذرف دمعك من نبع فؤادك الحزين الممتلئ بوجع مهين، ستشعرين بفداحة ظلمك وسوء فعلتك، تتحسرين وتندمين لكن بعد فوات الأوان.


  سيؤلمك أنني سأعيش حياتي وربما أنساك، إلا إذا إستجبت لأحاسيسي، ولامَسَت حروفي نبضات قلبك وروحك، وأمنت بدعاء المحسنين، وأطلقت عنان قيود أعماقك لينهمر المطر فيغسل وجدانك، ويتجدد إيمانك بطهر العشق والغرام، فتنقشع الغيوم، ويشرق نور الحب في سماء عمرك، تعودين حبيبتي تلك التي هي أحب لي من حياتي، ونغدو ونمسي في أحضان الحياة روحاً واحدة، ويكون الكون كله لنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شظايا الغياب...بقلمالشاعر محمد أكرجوط

 -شظايا الغياب- موجع غيابك حجب عني الإرتواء ولا قطرة تسد رمقي ولا نظرة تكفكف دمعي لتوقظني من غفوتي المشرعة على بياض القصيد  بلبلة حروفي  صدى...