الحزين.. بقلم الأديب د. عبدالرحيم الجابري أبو فاروق



الحزين.. بقلم الأديب د. عبدالرحيم الجابري أبو فاروق

$$$ الحـز يــن $$$

   رغم ابتسامتهِ المشرقةِ ، وبديهتهِ الحاضرةِ، إلاّ أنني كلما التقيتُ بهِ أكتشفُ خلفَ تلك الابتسامةِ سحابةً مِن الأحزانِ، ومرارةً مِن الآلامِ، تبوحُ بها عيناهُ الشاردتانِ ، يحاولُ إخفاءَها، لكن هيهاتَ، فقد نطقتْ بها النظراتُ، بأفصحِ العباراتِ .

  قال لي يومًا : لمَ تُحملِقُ بي هكذا ؟! ماذا تَرى يا تُرى ؟!

قلت ُ: إنني لأعجبُ مِنك يا صديقي ، ابتسامتُكَ الرائعةُ ألِـفناها، أحببناها، فتحنا لها في قلوبِنا أبوابًا ، لكنْ ماذا وراءَ حُزنِ عينيك !؟ لماذا تبكي عيناكَ بصمتٍ !؟ لماذا تتألـمُ بكبـْتٍ ؟! 

ردَّ عليَّ _ وقد امتزجتِ العَـبْرةُ بالعِبارةِ، والحزنُ بالابتسامةِ :

كيف لا أحزنُ يا صديقي وأنا أرى الأراملَ والثكالى، والمساكينَ واليتامَى، والمكلومينَ والمحتاجينَ ، أصبحوا بقايا أجسادٍ عاريةٍ، يحاصرُهم البؤسُ ، ويفتكُ بهم العناءُ، لا يأبهُ بهم الأغنياءُ، ولا يفطَنُ إليهم الأثرياءُ .

  قلت :

  أيها الحزينُ، وماذا عساكَ أن تصنعَ لو كنتَ ذا مالٍ ؟! 

  قال ، وهو يسحبُ تنهيدةً من سيلِ أحزانهِ ، ويطـلِقُ آهةً من كهفِ آلامهِ :

   لو كنتُ ذا مالٍ، لبحثتُ ثمّ بحثتُ عن الفقير لأشكرَهُ على قبولِ ما عندي، وأخذِ حَـقـهِ مني .

   لو كنتُ ذا مال، لمسحتُ دمعةَ اليتيمِ ، وبسطتُ رِدائي للمساكينِ، وقلتُ للغلابا الحائرين : 

اجعلوا من يَدَيَّ مناديلَ لِتمسحوا دموعَكم، وتُودعوا أحزانَكم .

   لو كنتُ ذا مالٍ، لزرعتُ غابةً من السعادةِ، استظلُّ بها مع المحرومينَ، وأجني ثمارَها معَ الجياعِ والمحتاجين .

   لو كنتُ ذا مالٍ، لَوضعتُ يدي بأيدي الكادحينَ، وقلتُ لهم :

خذوني معكم إلى جنةِ المتحابين، فإنني بكم أكونُ ، وبدونِكم لا أكونُ .

    لو كنتُ ذا مالٍ، لبنيتُ صروحًا للخيرِ في بلدي ، في كل حارةٍ ، في كل ناحيةٍ ... وكتبتُ عليها :

( شركةٌ مساهمةٌ لكافةِ الأخيارِ ) .

  عندئذٍ ، قلت له :

  حسبكَ يا صديقي .. فإني لا أرى في عينيكَ الآنَ ، إلا صورتي، وبالألوانِ ، فهل تُجِـبني على سُؤالى يا عاشقَ الأحزان ! 

    أيــُّنا أنَا ، وأيــُّنا أنـتَ ؟!


   عبدالرحيم الجابري (أبو فاروق )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شظايا الغياب...بقلمالشاعر محمد أكرجوط

 -شظايا الغياب- موجع غيابك حجب عني الإرتواء ولا قطرة تسد رمقي ولا نظرة تكفكف دمعي لتوقظني من غفوتي المشرعة على بياض القصيد  بلبلة حروفي  صدى...