العرب قبل الإسلام.. بقلم الكاتب/إسماعيل مفتاح عمر الشريف

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/

.. لم يكن للعرب قبل الإسلام دولة .. فلا قانون يجمعهم ولا سلطان يحكمهم ولا شريعة ترسم لهم طريق الحياة .. إلى أن أذِن الله لهذا الظلام بالزوال فأرسل رسولنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة فدعاهم إلى عبادة الله الواحد القهار ونبَذ عبادة الأصنام والأوثان .. لكن قريشًا كَبُر عليها الأمر وتحكَّمت فيها العصبية الجاهلية فلم يدخل في الدين الجديد إلا نفر قليل فأذِن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة وفيها تكوَّنت الدولة الإسلامية الأولى واستمر الوحي الإلهي ينزل على رسولنا محمد صلوات الله وسلمه عليه يوضِّح له قوام الدولة ويحدِّد له أهدافها التي تُميزها عن غيرها في عقيدتها وفي مبادئها وسلوكها ومعاملاتها وعاداتها .. فدعا البشرية جمعاء أن تتَّجه بالعبادة لله الواحد الأحد الذي أنشأهم من نفس واحدة وخلَقهم في أحسن تقويم وكرَّمهم ورزقهم من الطيِّبات وفضَّلهم على كثير ممن خلَق تفضيلاً.

.. دعا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه البشرية جمعاء إلى الوحدة الإنسانية حيث قال تبارك وتعالى في كتابه العزيز : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ).

 .. إذا كان الناس جميعًا إخوةً في الرحم والإنسانية فقد دعاهم جميعًا للدخول في الإسلام : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض ). .. إن الناس جميعًا متساوون في أصل الخلقة لا فضْل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح.

.. إن الوحدة الإسلامية لا تقوم على الجنس أو العنصر أو القبيلة كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف ((كلكم لآدمَ، وآدمُ من تراب))، ولا نجد نداءً في القرآن خاصًا بالعرب إنما النداء إما بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) فيعم الإنسانية كلها وإما بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فيعم المؤمنين ويخصهم.

.. إن مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْإِسْلامِ وَأَمْتَنِ قَوَاعِدِ الْإيمَانِ إخواني : الْحِرْصُ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِخَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَإفْشَاءِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّرَابُطِ بَيْنَهُمْ يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وَيَقُولُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

.. إِنَّ قُوَّةَ أَيِّ مُجْتَمَعٍ وَسَلاَمَتَهُ إِنَّمَا هِيَ فِي قُوَّةِ الْعَلاَقَةِ وَالتَّرَابُطِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ .. فَإِذَا كَانَتْ عَلاَقَةُ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَلاَقَةُ حُبٍّ وَتَعَاونٍ عَلَى الْخَيْرِ ازْدَهَرَتْ حَيَاةُ الْمُجْتَمَعِ وَاسْتَقَرَّتْ أُمُورُهُ .. وَإِذَا كَانَتْ الْعَلاَقَةُ عَلاَقَةُ مَصَالِحٍ مَحْضَةٍ وَعَلاَقَةُ أَنَانِيَةٍ .. فَإِنَّ هَذَا يَعُودُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّشَرْذُمِ وَذَهَابِ الرِّيحِ يَقُولُ الله تَعَالَى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ).

.. إخواني لَيْسَ ثَمَّةَ شَيْءٌ يَجْمَعُ النَّاسَ مِثْلَ الْإِسْلامِ فَالْإِسْلامُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْقُلُوبَ الْمُتَنَافِرَةَ وَيُطْفِئُ الشَّرَارَةَ الْمُلْتَهِبَةَ وَيُزِيلُ شَحْنَاءَ النُّفُوسِ .. مَهْمَا كَانَ تَبَاعُدُ النَّاسِ فِي أَجْنَاسِهِمْ وَأَلْوَانِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ كما جاء في قوله تبارك وتعالى : ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ) نَعَمْ .. لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلامُ فَهَذَّبَ النُّفُوسَ وَأَزَالَ لَوْثَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ وَنَعَرَاتِهَا وَأَصْبَحَ الْجَمِيعُ بِنِعْمَةِ الْإِسْلامِ إِخْوَانًا مُتَحَابِّينَ وَكَذَا مِنْ أَسْرَارِ هَذِهِ الآيَةِ أَنْ نَجِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَدَأَ فِي الْآيَةِ مُمْتَنًّا عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْرِ وَرَبَطَ ذَلِكَ بِالتَّأْلِيفِ وَالتَّرَابُطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ) وَلَعَلَّ فِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْ أَهَمِّ خُطُوَاتِ النَّصْرِ وَالنَّجَاحِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِنْجَازِ وَالتَّرَقِّي فِي سُلَّمِ الْحَضَارَةِ وَالْمَجْدِ : التَّآلُفَ وَالتَّرَابُطَ وَالْأُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.

.. إِنَّ أَيَّ دَوْلَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْهَضَ وَتَقُومَ إلاَّ عَلَى هَذَا الْأَسَاسِ وَإِذَا مَا فُقِدَ فَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَصْرٌ وَلَا إِنْجَازٌ وَلَا حَضَارَةٌ؛ إِذْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ نَصْرٌ بَيْنَ أُنَاسٍ لَا رَابِطَ بَيْنَهُمْ مُفَرَّقِينَ مُتَنَاحِرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ يَكِيدُ لِلْآخَر وَيَتَتَبَّعُ زَلَّاتَهُ وَهَنَّاتَهُ .. كُلٌّ مِنْهُمْ مَلِكًا لِأَنَانِيَّتِهِ وَأَثَرَتِهِ وَأَهْوَائِهِ هَذَا عَلَى مُسْتَوى الدَّوْلَةِ وأَمَّا عَلَى مُسْتَوى الدَّوَائِرِ الأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ .. فَلَكُمْ أَنْ تَتَصَوَّرُوا دَائِرَةً حُكُومِيَّةً أَوْ شَرِكَةً كَبِيرَةً يَسُودُهَا الْخِلاَفُ وَالشِّقَاقُ والاحْتِرَابُ وَالشَّلَلِيَّةَ كَيْفَ يَكُونُ إِنْتَاجُ ذَلِكَ الْمُوَظَّفِ وَمَدَى قُدْرَتِهِ عَلَى أَدَاءِ عَمَلِهِ وَهُوَ فِي هَذَا الْجَوِّ الْمَشْحُونِ؟! وَأَمَّا عَلَى مُسْتَوَى الأَفْرَادِ والأُسَرِ .. فَعِنْدَما يَكُونُ الْبَيْتُ الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ بَيْتًا مُتَصَدِّعًا مِنَ الْمَشَاكِلِ وَالْخِلاَفَاتِ لمْ يُحَالِفِ التَّوْفِيقُ الزَّوْجَ وَلَا الزَّوْجَةَ لِتَأْسِيسِ هَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى التَّفَاهُمِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ فكَيْفَ سَيَكُونُ قَرَارُ سَاكِنِيهِ وَكَيْفَ سَيَكُونُ مُسْتَقْبَلُ أَبْنَائِهِمْ؟َ إِذَنْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْخِلاَفَ وَالشِّقَاقَ لَا خَيْرَ فِيهِ الْبَتَّةَ.

.. إن كتاب الله إخواني هو حبله المتين والحق المبين من وقف عند حدود كتاب الله نجا ومن تحلى بآداب القرآن سعد ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً .. إن أنتم أطعتم الله فيه ونفذتم الأوامر وقمتم بحقوق الله .. نلتم من الخير ما تحبون وبلغتم الغاية المثلى التي تطلبون وذلك بأن تتحد القلوب وتتآلف النفوس ونتعاون على الخير فيما بيننا .

.. اللَّهُمَّ أَلِّفْ عَلَى الْخَيْرِ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَاجْمَعْ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمْرِنَا وغلبنا أللهم على شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأعنا علي ما فيه كل خير.

مع تحياتي وفائق احترامي.

.. الأستاذ : إسماعيل مفتاح عمر الشريف .

.. البلد : ليبيا.

.. الصفة : رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة الخيمة الثقافية للسلام.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شظايا الغياب...بقلمالشاعر محمد أكرجوط

 -شظايا الغياب- موجع غيابك حجب عني الإرتواء ولا قطرة تسد رمقي ولا نظرة تكفكف دمعي لتوقظني من غفوتي المشرعة على بياض القصيد  بلبلة حروفي  صدى...