عصافير الجنة
__________
كعادتها تستيقظ باكرا..ترمي بفتات الخبز لطيور المهاجرة .كأنها على موعد معها كل صباح .بمجرد أن أسمع شقشقة غريبة أعرف أنها في الخارج .أفرك عيني جيدا ثم أصلح ياقتي والتحق بها ..سوف تعتاد عليك ولكنها سترحل ذات صباح .فترد بلهجة حزينة .لا مانع أعرف أنها سترحل ليست هي فقط .كل الذين نحبهم يرحلون .وربما يتوارى طيفهم خلف النجوم .
في الأونة الأخيرة بدأت صحتها تعتل.زرنا بها مرقد الفرعونية .تذكرت طفولتها يوم كانت تتسلل هي ورفيقاتها .يسلكن درب سيدي عمر ويصعدن في غفلة من الشمس .ما ان تزحف الغيوم وتغطي وجه الشمس.حتى تجدهن قد وصلنا .السياج .كانت الفرعونية تنام بهدؤ عند شجرة الزيتون .يتحسسن الصومعة من الداخل ويشعلن موقد صغير عند رأس الفقيرة .وتتبرع احداهن وتنثر البخور .سرعان ما يعبق بالمكان .يرددن طقوس كن قد سمعنا بها من تخاريف الجدات .يهللن لأعوان المرقد.نبقى ساعة أو بضع ساعة ونحن في حالة وجد غريب .هكذا كانت تتحدث عن طفولتها الهاربة الان نحو الثمانين.
وصلنا المرقد المقدس .لم أتوقع أن أجد أحد هناك .ثمة نسوة كثيرات .نزعن البراقع فلمعت وجوههن تحت وهج شمس الاصيل .كانت السماء أشبه ما تكون بستارة رمادية .تفتقت منها ثقوب متناثرة سمحت لشعاع الشمس أن يمر بحذر نحو الارض .خالني وأنا أرقب هذا الجمال أسرني جمال بقربي .حاولت أن أختلي بها لكنها تشبثت بالاخريات اللواتي تجمعن الأن على الصومعة الصغيرة ذات القبة الخضراء .
كانت أمي ذات اللحظة قد أشتد عليها السعال ..دست يدها في المخلاة وأخرجت ملء قبضة يدها بذور الحنطة وراحت تنثره حول المرقد .تجمعت العصافير وهبطت من السماء كما لو كانت كرات الثلج التى يصحبها الشتاء .نظرت هي والاخريات وتمشت بضع خطوات نحو جرف صغير .تقدمت نحوها ببطء شديد .رجل تقودني واخري تعيدني إلى الخلف .حين انتبهت لي قالت .كأننا ألتقينا من قبل ؟ أسعدني أنها عرفتني .قلت .نعم الا تذكرين كم تسكعنا في مسارب الخضراء .تحت الأقواس شرينا عرق السوس من بائع مصري وكان يتحفنا بنغماته الجميلة .هل ما زلت تذكرين سناء حفيذة فرعون .ابتسمت من قلبها.وقالت اخيرا .رحل الجميع وانا وانت على الطريق ..
كانت هذه آخر مرة زرنا بها الفرعونية .والان هي بحاجة إلى زيارة اخرى .ربما رسائلها مع تلك العصافير تشفع لها عند أعوان المجاهيل .وانا ألتقي مع من أحب في القافلة القادمة من الداوون .ربما وقفت في منتصف الطريق وحملت معها قلبي .شفاك الله يا امي ..
________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق