...مكالمة...ابوشيماء كركوك.
فتحت السماء أبوابها للشمس، وانطلقت كتل الضياء على أرجاء بلادنا ،
وتسقط كرات الشمس البيضاء على بيتنا القديم ،أحدث ضجة في العائلة كأنهم شاهدوا كابوسا مرعبا ،وردت أنفاسهم بعدما ظنوا أن الطابوق المتهري حن الى التراب،
بيتنا الذي ورثناه من الأجداد، أيدينا لاتجد ماءا منه ليكون جديدا، سوى محاولات يرقع أثوابه من هنا ويتمزق من هناك،
شباك غرفتي تطل على شقتها في العمارة التي تسكن (اقبال) فتاة أكملت الثمانية عشر ربيعا، تأخذها الرياح الى كلية الاداب ، تغرف من النهر الصافي الذي يصبه في الانية التي بأيدي التلاميذ،
ماأحلى التي سمتك اقبال
حروف اسمك باللسان تختال
نظرة عينيك للقلب امال
ياليت اسمك علي حلال
مازالت أقدامي تتوشح بلبس البسطال حذاء العسكري بعد تخرجي ،وألتحف بملابس العلم العراقي، وقلبي نبضه ينادي باسمها التي تجعلني أهيم بها دونما صوت
هيامي اقبال
لغيرك لاأقبل
حروفك أقبل
سرور ينهال
لرؤياك أختال
لأنفاسك أنهل
لهجرك أقتل
في عودتي يعانقني نسائم الفرح
وتطل أغاني البهجة من الأهازيج التي تتدفق من الموبايل الذي يملأ هواء السيارة وكأننا في عرس ،يجعل الوجوه تتهلل ابتسامات ،والالام ترحل من ساحتهم، والوصول للبيت أصبح مد البصر،
أقبل أقدام أمي وأيديها ،وعطر ملابسها يغشاني كأن الجنة أصبحت في أحضاني وتمسح على رأسي وتهدئ دقات قلبي،
وأتجرع كؤوس الوقت الثقيل حتى يخيم الليل وأتسلل الى شقتها، تفتح الباب أحضنها بلا مقدمات وأغترف من هواء جسدها ،تبادرني :قبلني من شفتي لأعرف مايخفيه قلبك،
رفقا يداي لاتؤذيها
قلبي متيم بها
روحي عاشقة عينيها
قلمي لايعرف سواها
أندس الى غرفتي ،نادم على عودتي ،كيف طاوعت أقدامي وتركتها، تنادمنا من كؤوس الحب وما تعكر شرابنا وصفاء قلوبنا وأجسادنا،
بدأت الحرب تلفظ أنفاسها الأخيرة ،وفي مخيلتي يوم الربيع
بات هواؤه قريبا من فؤادي،
عيناي تكحلت برؤية أمي التي أحضرت خروفا سمينا ،فرحة بعودتي سالما من الحرب التي أخذت أحبابا من أحضان البيوت
وأرى كلاما غامضا على خطوط وجه أمي لاتقدر على اخفائه رغم طبول الفرح،
هلاهل وتبريكات الأهل والجيران ،وخدودي لم تعرف دروب الابتسامة
أفتش بقلب متلهف
بغيرك بيتي كهف
أنتظر قدومك ك عاكف. رحلت الشمس من كوكبي، والقمر لاأراه حتى ظنت أمي ولى نظري، وأردف قائلا لأمي : لاأرى النجوم التي تملأ الافاق ،ودموع أمي تنهمر ،وتقول:
أفق ياعلي ،وعد الى رشدك الذي كنا نتباهى أمام العشيرة برجاحة أفكارك التي تلملم شمل الناس،
طبيبي أمرضني
بعده..أوجعني
قربه يسعدني
هجره ..موتي
موتي لاأبالي
ينتهي طبيب العيون من الفحص ورؤية اوراق المختبر ،ولسانه يبشر أمي : عيناه سليمتان ولكن أصابته صدمةقد عطلت الرؤيا مؤقتا
تعالي غردي خذيني
على صدرك دفيني
واسمعي دقات أنيني
اعلمي بعدك يؤذيني
في قلبك خليني
عند روحك ضعيني
حبك لاتجعليه ظنيني
أما أقسمت يميني
في العراء لاتخليني
في قلبك تخبئيني
أمي تقلب الدفاتر لعلها تجد حرفا يؤنسني وتفتح ثقبا في ظلمة الغرفة التي باتت تشبه صمت القبور ،
تأتي بالموبايل وتدق على رقم أمها ،وتنطلق كلمات الشركة خارج نطاق الخدمة،
بعد رحيل نصف الليل ،والأوجاع صارت لي غطاءا على جسدي ، جاء صوت دقات النقال ،يبث هواءا للعليل الذي شك بقاءه في الغرفة طويلا،
تغريد البلابل لاأسمعه لولاها
جمال الربيع لايطيب سواها
ألوان الطيف بهجته بعينيها
كلمات تخرج من الهاتف وكأنها مخنوقة، أصوات الحروف غير متجانسة مخلوطة بنزيف الدموع
وجروح الفراق
_مبروك على التسريح والسلامة
صمت بين الطرفين ويعلوا الهواء
نشيج الأحزان الذي تخفيه الأرواح ،ولكن هيهات حريق البعد يحرق الجسد وتفوح دخانه الى حبيبه دونما ارادة منه ،يجيب:
_لم أذق كأس شربت العودة، تعرفين سعادة أحلامي في لقياك،
في فكرها تناجيه..لاتقل لليل خائنا، الثوب الأسود مكتوب عليه العهد الذي خطته أرواحنا ،
ولاتقل للقمر ضوءك تعتريه الشوائب ،هذا حسد الواشين ل قديسة أحبتك،
واسأل حديقتك وزوارها الذين لايعرفون الكذب ،اسألهم هل عانقت حروفي ل غريب أو قريب...
وعادت بعد برهة
-انهار زورقي وسالت دمائي بعد السقوط من الدرج،وبت أروم الاختباء مع أمي من الخسارة ..وخوفا من الفضيحة بعد فض الخاتم هربت إلى البعيد ..
عودي لملمي الأجزاء
بت لاأعرف الألف بالباء
انت عندك الهناء
شرابك كله دواء
لاتتركيني بلا سماء
أيامي كلها شقاء
بك على رأسي بهاء
حياتي لك كلها صفاء
دماؤك لاتعكر الوفاء
روحي لك ..فداء
ابوشيماء كركوك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق