((ذهاب الأحبة))
في رثـاء الشيخ ناصر بن صالح بن أحمد
بن قاسم العبـَّادي-رحمه الله تعالى- وغفر
لـه وأسكنه فسيح جـنـاتـه.
* * *
ذهـبَ الـتَـقِـيُّ الـزَاهِــدُ الـأوّاب
وتـزلـزلـت لـفــراقـهِ الـأقـطــاب
ذهـب الـذي أمسى يُـنَـاجِـي ربَهُ
وعليه مِنْ بُـردِ الـرجـاءِ ثِـيَـاب
ذهـب الـذي صلى وصـامَ نــهـارَهُ
وإلى الكريمِ تـوافـدَ الأحـبــاب
أفضى لـربٍ في الـبـــريـةِ راحـمٍ
وأجـابَ حينَ تـداعتِ الأسـبــاب
وقضى محـبٌ نحـبـهُ ورحـيلهُ
ومُضيفُهُ في خُـلـدِهَـا الوهَّـاب
الـزاهـدُ الغوثُ الـذي بـدعـائـهِ
تُجلى الكروبُ ، وتُفتَحُ الأبـواب
العارفُ القطبُ الـذي بـجــوارهِ
تحيا القلوبُ ، ويَهتَدِي الـمُـرتَـاب
الـمُصلِـحُ اللّبِقُ اللّبيبُ بـفـكـرهِ
الـمُـدنِـفُ الـمُـتـبــتِــلُ الـتــوّاب
الناصِـحُ الصفـحُ البَشوشُ بطبعهِ
الـمُشفِقُ الـمُـتـواضِعُ الـمِـرحَــاب
يا مَنْ رحلتَ ، ولم تزلْ بقلوبِـنَا
مُتـواجـدًا ، يشتـاقُكَ الأصحـاب
يـبـكي علـيـكَ أحبـةٌ فـارقتهم
تـبـكي رحيلُكَ سُورَقٌ وشِـعَـاب
تبكي عليـكَ جبـالُ إبَّ وأهلهَا
ارضُ السعيدةِ سـهـلُـهَـا والـغـاب
تـبـكـيـكَ مـاويـة التى أحببتـهَا
أحـجـارُهَا ورِمـالُـهَـا وهِضَـاب
تبـكـيكَ سُبحتُـكَ التي رافقتهَا
يـبـكـيـكَ وردٌ راتـبٌ وكِـتَـاب
تـبـكي علـيــكَ قصيدةٌ ألقيتَهَا
ودمــوعُ زاويـةٍ لها تـنـسـاب
يبـكي عليـكَ الصبحُ في إشراقهِ
يبكي الضحى، وبِسَاطُهَا الأعتاب
يـبـكي ذُرَاكَ الـلـيـلُ في إظلامهِ
ويئـنُ في أحـشـائـهِ المِحـرَاب
جـنـاتُ عدنٍ عنـدَ صفوةِ أدمٍ
فيها الرِضَـا والخُلدُ والأكـواب
فيها النعيمُ تعددتْ أشكـالـهُ
الـحـورُ والـولـدانُ والأقـتــاب
غـرفٌ علـى غـرفٍ وأنـهارٌ بـها
والـكـاعِــبــاتُ سِـنـينُـهَـا أتـراب
فيكَ القريضُ تسابقت ألفاظهُ
تـأتي المعاني والـحـروفُ سِكَـاب
تروي محـاسنُكَ الحروفُ بدمعِهَا
حِـبــرٌ تـجــودُ دِماءَهُ الأهداب
أنعيكَ مُحتسِبًا وحسبُكَ سَيدَي
نـعـيًا، بـأنَّ حشودَكَ الأحـزاب
جـاءتْ مُلـبـيـةً يقـودُ لِـجـامَـهَا
حُـبٌ ، ويشـدو حـدوهَا الأغراب
مِنْ كـلِ فَـجٍ قـد تـعـاظمَ خطبهمْ
وعليـهـمُ قد شدَّتِ الأتـعـاب
والشمسُ يعصفُ بالرؤوسِ لهيبُهَا
والــنـاسُ مـوجٌ شَـبَّـهُ الإلـهـاب
يقتادهمْ شوقٌ يسابقُ خطوهم
وقد اكتوت بِـذُكـائِـهَا الأعصاب
في داخـلِ الـتـابـوتِ كـانَ مُدثـرًا
وعـلـيـه تــاجُ عِـمَـامـةٍ ورِحَـاب
والسيـرُ مِنْ فرطِ الزِحامِ مقيدٌ
والنعشُ يـقـدمُ عرشَهُ الأنسـاب
والـبـاقـيـاتُ الـصـالـحـاتُ هُتافُـنَا
وبــكــلِ شِـبـرٍ عـالـمٌ وخِــطَـاب
وهناكَ حيثُ الأرضُ زادَ غرامُهَا
حـطَّ الـرِحـالَ ، وعـانـقـتـهُ تُـراب
واشتـاقتْ الغـبــراءُ كـلَ بـنـانـهِ
واسـتـقـبـلـتهُ وضمخـتـهُ شــذاب
ومضى إلـى علـيـائـهِ مُـتـجـردًا
عن كلِ ذنـبٍ، يـعـتـلـيـهِ ثـواب
يا رب واخلـفْ مِنْ بـنـيـهِ أئمةً
واجعلْ لهم في الصالحينَ جَنَـاب
فَهُمُ الكثيرُ الطيبُ المرجو بهم
وبهم تُـحَـلُ مِنْ الأمورِ صِـعَـاب
واشمـلْ إلهي مَنْ أتـاكَ بـرحمـةٍ
وأفضْ عليه مِنْ العطاءِ سحـاب
واخلـفـهُ خَلْـفـًا طيـبـًا ومبـاركـًا
حتى يُـخـلـدَ في الـجـنــانِ مُـثـاب
واكـرمهُ بـالحسنى فـإنـكَ راحـمٌ
واعف فـإنـكَ للضعيفِ حِـجَـاب
والختـم صلى اللّه ربي دائمًا
ما لـاحَ نـجــمٌ أو نمتْ أعشـاب
تغشى رسـول اللّهِ مصـباحُ الـدجى
والآل مـا حـمـلـتْ بِنَـا الأصـلاب
عبدالملك العبـّادي.