قصة قصيرة
هستيريا..
الجوّ بارد جدّا هذه اللّيلة،والثلوج زيّنت هامات الجبال بوشاحها الأبيض؛فدبّ السّكون المرعب نفوس الخلائق و الوهاد.
أصوات مرعبة تناهت فجأة، و اخترقت مسامعي عنوة،من دون مقدّمات.
عواء..ضباح..نعيب..خنخنة و عويل الأغوال الشّرسة؛ شكّلت معزوفة كآبة، لليل كاد أن يكون سرمديّا.
التقطت يدي الضّريرة شمعة مهزولة،عرجاء لم تقدر على تحمّل الإنتصاب ذات عيد ميلاد.
رقص لهيبها وتمايل على ظلال الحيطان الخائرة؛ذات الرّطوبة العفنة.
إبتعدت قليلا بخطوي إلى الوراء،لكنّ ظلّي تمرّد على روحي هذه المرّة.
ثبّتها على شمعدان فضيّ من تركة جدّي.
راح الحريق يغزوها بحرقة وهي مبتسمة؛غير آبهة لما يحدث لها من هلاك.
انعكس نورها الخافت على مرآتي المشروخة، المنتصبة على باب صوان من خشب الجوز؛ يعتبر هو أيضا إرثا لمفقود:
-لماذا جعلتيني أخجل من لحظات ضعفي؟!ألا تدرين بأنّها صادقة؟!
نظرتْ إليّ ودمعها يسيل على هامتها الملساء:
-أريد أن أنير دربك البهيم؛لتقف من جديد.
دنوت منها قيد شبر،تمعّنت فيها مليّا:
-حتّى الشّجر يرهقه الوقوف في وجه العاصفة،فيخرّ مع اوراقه المتساقطة.
ابتسمتٔ هذه المرّة..حدّثتني بصوت خفيت به بحّة ملفتة:
-لكن يظلّ قلبه أخضر؛يدبّ بالحياة،فيورق من جديد..!
أطبقتُ عليها بأصابعي المرتجفة:
-أنا صبحي مات حزنا،منذ فطامي..أنا الطّفل الخديج..!
تملّكها الرّعب..انتحبت..اختنق لهيبها..ترنّحت.
أصلحتُ اعوجاجها بتؤدة و أردفت قائلا:
-انا المخفيّ تحت رماد الأماني..أنا كتاب شجن حبيس رفوف إبتئاسي..أنا أللّاهث دائما لأواري أوجاع روحي تحت المطر..أنا مابرحت أحبو متخفّيّا تحت جناح أمسي..أنا نجمي أفل؛أرّقته دياجير الدّيماس.
اختلج نورها مع نسمة باردة..حلّت العتمة.
طالت راحتي جيب بنطالي"الجينز"قدّاحة فضّيّة من نوع"كليبر"أصليّة..أشعلتُ لهيبها.. أعطيتُ الحياة لفتيلها؛طربتٔ رغم اِستيائها.
تجلّت صورتها البهيّة لحظتئذ..وجه وضّاح مع مبسم ضاحك..تفتّق له نور خدّيها..ضمّت رأسي..لثمت جبيني النّاضح..مسحت شعري..همست:
-لم يكن عهدي بك هكذا..سينبلج الفجر مع صياح الدّيوك وجوقة الحساسين..انتظر..انتظر..!
فجأة..! نشج طفلي و انطفاء نار خبز التّنّور؛نفضت مرمدة جمري المتوهّج..استترتُ و كمدي بين أحضان صهيل جيادي غير المروّضة..
بقلمي الأستاذ الأديب:عبد الستار عمورة الجزائر.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق