قصة الحكمة
--------------
حين غابت الحكمةُ عن قومٍ ؛ ربما باعوها ، أو باعوا رأسها ؛ ظناً منهم أن الحكمة لا قيمة لها ، أو لا حاجة لهم بها ٠
وقتها سقط رهط منهم ببركة طين ؛ حل الوحل محل مائها ؛ صرخ الرهط مستنجدين باخوتهم الباقين :
أنقذونا من أوحالها ٠
نظر إليهم بعض قومهم ، والأسى يملأ قلوبهم ، ثم تبادلوا النظرات فيما بينهم ، والعبرات ملء عيونهم ، وأخيراً نطق أحدهم :
لقد اتسخت ملابس إخواننا ، وبلغت الأوحال رقابهم ؛ هيا بنا نحضر الماء ؛ لنسكبه عليهم ؛ فننظفهم من أوحالهم ؛ هيا يا رفاق أسرعوا لابد من التحرك بدلا من ذرف الدموع هدرا بلا فائدة ؛ وقد حلَّ باخواننا ما حلَّ بهم ٠
وبالفعل أسرع الرفاق بإحضار الكثير من الماء ؛ الذى أسرعوا بسكبه فوق إخوانهم داخل بِركةِ الأوحال ؛ لينظفوهم ؛ فإذا بالماء يختلط باوحال المستنقع ، ويرتفع مستواه ؛ حتى اختفت رؤس إخوانهم داخل مستنقع الأوحال ؛ وقتها ذُهل الرِفاق وتسمَّروا مشدوهين لِما آل إليه الحال ؛ ثم تبادلوا الإتهامات ، وتركوا من بقى حى بالمستنقع حتى مات ٠
وهم لا يزالون حول المستنقع يتقاذفون الإتهامات ؛ فإذا بشخص غريب يمر بهم فألقى عليهم سلام جميل ، وسألهم عن حالهم وعن سر القال ، و القيل ٠
فقصوا عليه ما جرا بالتفصيل ؛ منذ أن باعوا الحكمة بالمال القليل ؛ حتى أغرقوا إخوانهم بالوحل ، والطين ؛ وهم يظنون أنهم لهم منقذين ٠
سألهم عابر السبيل( ذلك الشخص الغريب ) :
وهل بالبلد مستنقعات أخرى غير ذى
أجابوه :
نعم كثيير
رد عليهم :
إذا هيا بنا لنعرف ماحدث للباقين ٠
وبالفعل ذهبوا ؛ فوجدوا آخرين منغمسين بوحل ، وطين ؛ لكنهم لم يكونوا ميتين بل كانوا يحاولون الخروج من الطين لكنهم بحاجة لمساعدين ٠
نظر عابر السبيل لمن معه قائلاً :
لابد من وجود الحكمة لإنقاذهم ؛ وإلا قتلتموهم خطأً كما فعلتم بالسابقين ٠
اذهبوا ، واعيدوا الحكمة ؛ التى كنتم فيها من الزاهدين ٠
نظر القوم لبعضهم مترددين ثم نطق أحدهم قائلا :
إن عابر السبيل هذا يأخذكم بعيدا ؛ فما علاقة الحكمة بما نحن فيه ؟!
وكيف تنقذ الحكمة إخواننا من الوحل ، والطين ؟!
رد عابر السبيل :
سأريكم كيف تنقذ الحكمة إخوانكم ؛ فلدى بعض منها ؛ لكنه يكفى لإنقاذ شخص واحد ؛ والآن انظروا ما ستفعله الحكمة التى لدى ؛ فإن نجحت فاذهبوا لتستعيدوا حكمتكم وتنقذوا بها الباقين ، و تجدوا من ينقذقكم إذا سقطتم فى الوحل ، والطين ٠
رد القوم :
حسنا أرنا ما عندك وان صدقت فنحن لك من الطائعين ٠
بدأ عابر السبيل بالتحرك ، فأحضر دلو به ماء ، وأحضر حبلٌ متين ألقاه لأحدِ المنغمسين في الطين ، وطلب منه التشبث به ؛ حتى يخرج من مستنقع الوحل ، والطين ، ثم جذب عابر السبيل الحبل بكل قوته ؛ حتى أخرجه ، وبعد ما أخرجه أعطاه دلو الماء ؛ ليغسل ما علق به من أوساخ وأوحال ويعود نظيفا فى الحال ٠
وهنا أدرك القوم قيمة الحكمة التى زهدوا فيها ، وباعوها بالقليل فخسروا الكثير ، والكثير ٠
شكر القوم عابر السبيل ، و تركوه مودعين فدعا لهم عابر السبيل هذا الدعاء الجميل ( أسأل الله أن يؤتيكم الحكمة فمن يؤت الحكمة فقد اوتى خيراً كثيراً )
كانت هذه القصة التي وفقنى الله لكتابتها كمحاولة لتجسيد قيمة الحكمة ، ودورها العظيم فى الدعوة إلى الله ، وإلى الحق ، و الصلاح ، والإصلاح الذى يكون سببا في نجاة الأفراد والمجتمعات ؛ و جسَّدت كذلك العواقب الوخيمة ، والأضرار البالغة الناتجة ؛ عن غياب الحكمة التى أمر الله بها فى أهم الأمور وهو الدعوة إلى الله وجعلها سابقة للموعظة الحسنة وذلك لأهميتها البالغة
بسم الله الرحمان الرحيم
(( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ))
(( يؤتى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ))
وقد اختلف المفسرون في تفسير معنى الحكمة
فمنهم من قال إنها المعرفة بالقران الكريم ومنهم من قال إنها الفهم الصحيح ومنهم من قال إنها القول و
والفعل الصائب لكنى أضيف إلى هذا التفسير الاخير
إضافة صغيرة لكنها هامة٠
فيصبح كالآتي :
الحكمة : القول والفعل الصائب فى الوقت والمكان المناسبين مع مراعاة حال المتلقين وخلفيتهم
المعرفية ٠
والله الموفق
فراولة حجاج

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق