(ثرثرة على صقيعِ صدرٍ مطحون/ ربيع دهام/ قصة قصيرة)
طوّق يدها براحة يده، وبما تبقّى بداخله من رمق قوّة، راح يشدّ عليها ويتمتم:
"سأبقى.. سأبقى أحبّك حتى آخر العمر".
تقهقرت قواها، فشرعت تطفر من مآقيها الدموع. ولمّا لم تعد تتسع للسيل الهادر المآقي، أخذ الدمع يتفجّر من فرجَتَيْ أنفها وحتى أذنيها.
"ستبقى تحبّني حتى آخر العمر؟"، سألته علّها تتأكّد، وعلّها تجعله يكرّر ما قال.
فمذاق عبارته تلك، أطيب على قلبها من أي شيءٍ آخر، عدا طبعاً خبريّات ووشايات
ونمائم جارتها نزيهة صباح ومساء وظهر كل يوم.
"نعم يا سهام. سأبقى. سأبقى أحبّك حتى آخر نفس"، قال فريد.
وما إن وضعت رأسها على صدره وطوّقت بذراعيها جسدَه حتى أحسّ بضغطٍ
شديدٍ كاد يطحن حويصلات رئتيه وأغشيتها.
حاول إزاحة جسدِها بكل قوّه، لكن قواه كلُّها لم تعد بقادرة على إزاحة نملة، فكيف
بجسدٍ كجسد زوجته سهام؟
"انزعي جمجمتك عن قفصي الصدري. أكاد أختنق"، قال لزوجته.
وكم تملّكَته الدهشة حين أيقن أن صفيراً قد خرج من فمه لا كلمات.
حاول أن يعيد ما قاله: " أرجوك...أرجوك ابتعدي يا سهام".
وللمرّة الثانية، يخرج صفيرٌ من فمه بدل كلمات.
ولمّا رمق مرآة الجدار المعلّقة أمامه، بان له اللحاف الأزرق الذي يتغطّى به.
كما بان طبعاً رأس سهام الذي يطحنه صدره. أما وجهه هو، ويا للعجب،
فقد بحث عنه في المرآة ولم يره!
وفي تلك الأثناء، كان عصفورٌ يتسمّر خلف النافذة، بدا أنّه غارقٌ حتى جناحيه
بمهمة مراقبة وتنصّت، وتحليل بيانات، وفهم أنماط واتجاهات، واستخراج معلومات.
رمقته سهام بطرف عينها اليمنى، حتى ما إن طار العصفور واختفى، سمعتْ باب
المدخل يُطرَق بعنفٍ شديدٍ.
وبعد الطرق، انطلق صوت جارتها نزيهة من خلف الباب:
" سهام! انزعي رأسك عن صدره يا سهام. انّك تخنقيه".
يا لنزيهة. كأنها شقيقة ليلى عبد اللطيف. بإمكانها معرفة كل شيء!
وفي اليوم التالي، سلّم الزوج طوعاً روحَه لعزرائيل، بل كاد يسبق ملاك الموت إلى خلاص الآخرة.
وفي اليوم ما بعد التالي، وما بعد الدفن بلحظات، كانت سهام مع نزيهة في جلستهما المعهودة يتسامران. وكانت نزيهة تحدّث جارتها عما حدث لنايفة بركات مع زوجها محمود الكاظمي، في تورونتو-كندا، ليلة أمس.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق