حينما نتكلم عن الأب.. بقلم الكاتب/حسين نصر الدين

 حينما نتكلم ُ عن الأب 

عنْ الأبِ  نتحدث ُ / الأب يعني الحنان .. الحنان السامي  يتمثل ُ في لمسة ِ يديْه الحانيتيْن  .. في ابتسامته الرقيقة .. في عتابِه الأنيق دون تجريح ٍ على خطأ ٍ ارتكبه أحد ُ الأبناء ..                                                                     الأب يعني  الصرح الواقي ، الحصن الحصين ، الدرع والوجاء والوقاية من أي زلل ٍ ممكنٍ أن يقع َ فيه الإبن .

الأب : نبع ُ حنان ٍ لا يكف ُ عن السريان ، ومُعين حب ٍ صاف ٍ لا ينضبُ أبدا ً وشمْسٌ مُشرقة تأتي لك بالدفء  ولا تغيب ُ.. هو الأرضِ الخصيبة . الشحرة وارفة الظلال ..                                                    الأب هو المُعلم لمعنى الحياة ، والخبير بصروفِها .. وهو من يشد ُ بِعضد ِ أولادِه ليسلكوا دروبَها بأمان ٍ ..    هو من علمني معنى الحياه .. هو الناصح الأمين حين الخطأ .. 

الأبُ هو الحكمةُ وحنكةُ السنين وخبرةُ الحياة : 

تظهر ُ لك في أحلك ِ الظروف تجد ُ يدا ً حانية ً تضمُك وتساندُك وتؤيدُك وتُدعمُك .. حكمة بالغة حتى في تقطيبة جبينه تُشعُ نوراً وخبرة ً وحكمة ًوتأتي لك بحلٍ فيمن تُحَار ُ في حلِه ويضيقُ بك أمر ُ خلاصِه .

فقدت ُ أبي رحمه الله منذ عام 1985 على يداي َ أي من حوالي ستة ٍ وثلاثين عاماً ، وكأنه بالأمس ِ القريب ِ، كنت ُ أنام بسرير ٍ مقابله ليأخذ الطبيب دما ً من دمي له ، لأنه كان يُعاني من نزيف ٍ داخلي في المعدة والإثنى عشر، أدى إلى وفاته رحمه الله بعد َ سويعات ٍ قليلة ،آخر شي ٍ قبل وفاته اختلطت ْ دماؤنا معا ً ، وهي من ذات الفصيلة بالطبع ،كما اختلطتْ دموعنا معاً وأنا أحتضنه قبل فراقه ، أحسست ُ بعدها بالضياع في هذه الحياة ..                                                               معنى أن ْ تفقد َ أباك َ : أن تفقد جداراً كنت تحتمي به ،  أن تفقد َ مظلة ً واقية ً لك إزاء ظروفِ الحياة ِ أن تفقد َ  النور الذي يضيئ ُ لك عتمة الطريق .. أن تفقد الأرض َ التي تسير عليها والسماء َ التي تُظلك والهواء الذي تتنفسه ، والحياة التي تحتويك ، أن تفقد ذراعيْن يحتويانك يفرحان لفرحك ويحزنان لحزنك ..                   من ْ هو أبي .؟ أبي هو من كان يفرد ُ جناحي ِ قلبه ِ على مصراعيْهما لاحتوائنا أنا وأخوتي ، هو من يبسط سماء روحه ليستوعبنا حوْلَه كالأنجم ِ الزُهْر ِ متلألئة في سماء حياتِه .. وكأنه القمر..  ويُشيع ُ في أنفسنا البهجة ويبتسم ُ ابتسامة َ الرضا ..                                                                                                      أبي كان يُشار إليه بالبنان من أهل الحي من طيبتِه ، وهو من كان يُقدم ُ الاستشارة وحل بعض مشاكل الأصدقاء والجيران ، وربما أورثني ذلك لكن بقدر ٍ لا أُكون مثله .. تعلمت ُ منه أن أكون ناجحاً في عملي ، وأن أكون َ في أعلى المنابر وأسمى الدرجات ، وكان يُقابل نجاحي وتألقي بابتسامة ٍ كلها رضا ً وكأنه يقولُ لقد حصدتُ ما زرعت ُ وجنيْت ُ ما عَمِلْت ..                                                                                                سُئِلْت ُ ذات مرة ٍ عن ْ قُدْوتي في الحياة فقلت أبواي وخاصة ً أبي رحمه الله  ، وما علمني إياه كان مصدر الثقة في نفسي طوال مسيرة حياتي العملية وفي حِلِّي وسفري  ، فهو شجرة وارفة الظلال ِ في قلبي لا تذبل أبداً ، وظلٍ ممدود ٍ الذي آوي إليه حين التعب بخبرته وحكمته ونصائِحه التي كان يُسديها إليْنا وننهل ُ منها ما حيينا .. 

كلمة ٌ أخيرة لأبي رحمه الله : 

يا من ْ كنتَ للحب نبراسا ً يا صاحب القلب ِ الكبير .. والوجه ِ النضير (كان وجهه أبيضَ اللوْنِ مُشرئبا ً بالحُمْرَة ِ)   يا من كنت بالوسام ِ جدير ٌ .. بعد فراقك َ  أدركت أن هناك بكاء دون دموع ، وصراخ يمزق الحنجره دون أن يُسمع .. وأن هذا الكون على اتساعه لا يُضاهي أبداً سعة قلب أبي .. وفي النهاية أهدي لك َ من أعماقِ قلبي الدعاء بالرحمة والمغفرة الحسنة من الله عز وجل ، وأن ْ يَجْمعنا معاً في جنات ِ النعيم ِ ..

بقلم/حسين نصر الدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شظايا الغياب...بقلمالشاعر محمد أكرجوط

 -شظايا الغياب- موجع غيابك حجب عني الإرتواء ولا قطرة تسد رمقي ولا نظرة تكفكف دمعي لتوقظني من غفوتي المشرعة على بياض القصيد  بلبلة حروفي  صدى...