صور في ذاكرة متعبة....بقلم الأديب سالم عكروتي أبو عيسى

صور في  ذاكرة  متعبة /ص/60


تمر  الأيام  متشابهات ، ضجر  وملل ، فراغ  رهيب  ،رتابة   في  كل  شي ،  أصبح  واقعنا  الذي  نعيش  لا  لون  ولا  طعم  له ، نستهلك  أيامنا  نسحبها  من  رصيد  العمر  بليدة  ركيكة  يستوطنها  الفراغ  والصمت  الرهيب  ،  نتكأ  على  تراكمات  الماضي  ونبكي  زمننا  الجميل  الذي  ولى  وراح  ،بطمأنينته  وحلم  رائع  بديع  ،بأيام  صبى  وطفولة  بريئة  وشباب  مندفع  منطلق  يعانق  السحاب ، وحكايات   و

ضحكات   صافية  أثثنا  بها  سمرنا  وجلساتتا  ،كانت   تأخذنا  إلى  أفق  زاهي  بديع  وإنتظارات  من  آت  خلناه  يشبهنا ، ببساطتنا  بأشيائنا  المتواضعة ، بأمانينا  صنعنا  قصورا  فوق  السحاب  وزرعنا  المدى  زهورا  و  حدائقا  وأعشابا ،  وعانقنا  القمر   وشاركنا  أفراحنا  وحزننا  الجميل.

واليوم  إثاقلت  خطايا  وسنين  عمري ، بهتت  مساربي  وغزت  شيبات رأسي ، وتنكر  لي  الأفق    وإستحال  سرابا  ، أشجار  السرو  والصفصاف  على  الجنبات  يحيين  ركبي  الخائب  وأنا  أجر  هزائمي   ووزر  الخيبات  ،  أهرول ،أركض ،أجري ،  نسمات  شتوية  باردة  ورذاذ  المطر  يدغدغ  وجهي  الصامت ، في  مكان  ما  من  ذاكرتي، وعلى  بقعة  ما من الأرض  حيث كانت  صرختي  الأولى  في  هذه  الحياة ، كان  أبي  الراحل  يداوم  المكوث  فيها  ،جلست  حيث  كان  يجلس ، يتمتم  وحده  يصنع  لوحدته  هيبة  ووقارا ، عصاه  بيساره  والمصحف  بيمناه، يقرأ  بتأن  وتعتعة ، رجعت  ذاكرتي  وذكرياتي  أدراجها ، ووجدتني  طفلا ، تحسست  المكان  إستصرخت  الزمان  ، بدا  لي  كوخنا  القديم  على  يميني ، وكل  أشجار  السدر  المحيطة ، بعثت  من  جديد ، رأيتها  تلوح  بأغصانها  الخضراء ، تبكي  بأنين  صامت ، فتشت  في  ركن  الكوخ ، وجدت  أمي  الراحلة الحاضرة  (رحمك الله  يا أماه)  الأيقونة  الصامدة  تروح  وتجيئ  في  باحته ، تصنع كبريائي  وفرحي، وجدت  الرحى، وال(البابور)  وال(قازة)   ومحفظتي  السوداء  وكتاب  إقرأ  وطبشوراتي  واللوحة  وال(بلومة) الحمراء  ومحبرتي  العتيقة ، صافحوني  ببرود  وكأنهم  نسونني  أو  لم  يتذكرونني  ،   بقيت  بينهم   لا  أدري  كم  من  الوقت ، أستلطفهم  وأستجديهم  أن  يسعفو  ذاكرتي  المتعبة  وأن  يلتحقوا  بي  لنقوم  بمراسم  جنائز  أحزاني .

الرذاذ  تضاعفت  حباته  وأصبح  مطرا  تهطل ، السحب  تتواتر  قاتمة  ،أسراب  من  الطيور  تمر  سراعا ، الريح  شمالية  قارسة ، ضاعت  الصور  وتكسرت  الأشكال ، قمت  من  ماضيا  ومن  مكاني ، أسرعت  الخطا  إلى  المنزل ،  جلبة  الصغار  و  لهوهم، وفرحتهم بسمرهم  وبرائتهم ، وزوجة  تهيأ  عشاءنا  البسيط  ومن المأذنة  البعيدة  يأتينا  آذان  المغرب  أن  الله  أكبر  الله  أكبر


سالم  عكروتي  (أبو عيسى)

تونس

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل اقول قصيدة؟....بقلم الشاعر علي الهادي عمر أحمد

 هل أقول قصيدة في مدح من يحلو لدي الحديث أم أتغنى بالحروف عشقا في ذكر من بالقلب يسكن الوريد وتظل أحرفي ترقص فرحا في هوى من جعل القلب عبيد وي...