الرجُل المُناسب في المَكان المُناسب.
من التعاليم الإسلامية الرفيعة التي تساعد في رقي المجتمع وازدهاره ، اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولفظ الرجل يُراد به الرجل والمرأة، فَحُسن اختيار الرجل أو المرأة للعمل في المكان الذي يتناسب مع الكفاءة والقدرة البدنية مبدأ دعا إليه الإسلام ورغب فيه.
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يبني المسجد النبوي الشريف هو وأصحابه من المهاجرين والأنصار ، ويأتي رجل من بلد تُسمي اليمامة من خارج المدينة ، ويُمسك بالفأس ويُقلب الطين تقليباً جيداً أُعجب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يقوم الرجل ليحمل الحجارة على كتفه مع الناس إلا أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمره أن يقوم بخلط الطين فقط ، لأنه مُتقن لهذا العمل ويمتع بالقوة البدنية المؤهلة لإتقان العمل فهو قوي المِنكَب أي قوي الكتفين ؛ روي الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من حديث طَلَّق بْن عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: ( دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّين) .
وفي رواية أخرى بلفظ : ( قَدِّمُوا الْيَمَامِي مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسًّا ) .
وفي رواية أخري بلفظ : ( قَرَّبِ الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسًّا وَأَشَدُّكُمْ مَنْكِبًا ).
وفي رواية عند الطبراني في المعجم الكبير من حديث طلق بن علي قال : أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، وَهُوَ يُؤَسِّسُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ كَمَا يَحْمِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ أَحْذَقُ شَيْءٍ بِإِخْلَاطِ الطِّينِ، فَاخْلِطْ لَنَا الطِّينَ ) ، فَكُنْتُ أَخْلِطُ لَهُمِ الطِّينَ وَيَحْمِلُونَهُ ).
فهذه الروايات تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدعه يعمل بنقل الحجارة وإنما وجهه ليعمل بتخصصه، وهو خلط الطين فهو ماهر متمكن فيه.
ما أجمل وأروع وأتقي وأنقي لله عزّ وجل أن يُوضع صاحب الكفاءة المهنية في موضعه الذي يُثمر فيه .
وما أجمل وأروع وأتقي وأنقي لله عزّ وجل أن يتخلف من لا يعرف ولا يُتقن بعيداً عن أي عمل لا يعرفه ولا يُتقنه حِسبة لله .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق