قصة قصيرة
من الذّاكرة
هاهيّ الحياة تنبض مع صياح الدّيكة،و
بسمة فجر جديد؛أطلّ على ربوع القرية،
باسطا رقّته عليها..ملامسا أرواحهم
الطّيّبة؛حيث تركض الأيّام كالسّحائب،و
تنقضي اللّيالي كالأحلام .
لقد تسلّل الصّوت العذب و روح
الطّبيعة النّائمة،المتربّعة على عرش
الأعراف،والتّقاليد؛عبر الزّمن الغابر .
انشرح قلبي عندها بلذّة سرّ روحانيّ.
نفضت عن عينيّ ملاذ الأحلام ودفئها؛لتتطهّر
روحي بأنفاس الصّبح،وأذان الفجر .
ساعتها كنت متدثّرا ببرنسي الصّوفي
الأبيض،الّذي تركت معه أمّي نور
عينيها .
رحت متسلّلا عبر أزقّة "الدّشرة"،ببيوتها
الطّينيّة،والحجريّة . بيوت متواضعة،
ظلّت تحاكي روح حقبة زمن قديم ،
لمعارك عنيفة إبّان حرب التّحرير ، قاصدا
المسجد لأداء فريضتي .
قفلت راجعا إلى البيت ، امتدّت أصابع
يدي اليمنى،إلى لحيتي الكثّة،داعبتها بأناملي.
كنت مزهوّا بنفسي،وبالصّلابة الّتي تجبّلت عليها.
أخرجت زفيرا له صوت كفحيح الأفاعي:
-كيف لا..فقريتي منبتي..روح وطني..ذاكرتي..هيٌ من علٌمتني الحياة.
أسدل اللّيل ستاره، على أهل القرية المنعزلة،
مداعبا جفونهم،المثقلة بمتاعب الحياة.
استلقيت بجسدي المتهالك،على فراشي الحقير.
رنوت لشمعتي ، وهيّ تبتسم رغم دموعها السّاخنة.
ثارت هواجسي .. تشنّجت أوصالي ..
صراخ ألمّ بي على حين غرٌة..أرعب جوانح فؤادي،لذكريات أليمة؛مافتئت تعصر كياني.
جلت ببصري في أرجاء الغرفة المنكوبة،ارتسمت على جدرانها،وضوء الشّمعة المتراقص،جرّاء نسمة باردة؛هبّت من صدر جبل"لالّة خديجة"الشّامخ بعلوّه الملفت،صور موجعة،لحقبة استعمارية جائرة.
ها هم يلقون بقنابلهم الضّمأى ..
بيوت طينيّة تناثرت .. أرواح بريئة
همدت.
مددت يدي لأنهضها..استدار الّذي على
ظهرها ، وجهه ملطّخ بالسّخام ؛ ابتسم،
ناولني عود ثقاب .
انعتقت عندها روحي ..هاهيّ تتمشّى في
دروب ترابيّة،محفوفة بأشجار الزٌيتون.
طيف أمّي ودّعني .. عبق البارود لازمني ..صوتهم من الجبال ناداني..خمدت نار فارس؛انبجست الشّعلة المقدٌسة..زغرد الرٌصاص مع الثوٌار،والحرائر..رفرفت الأعلام سامقة..تحيا الجزائر.
الكاتب عبد الستار عمورة الجزائر

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق