من الهبوط إلى الارتفاع
( 4)
___________________
كانت البلدة تقع على طريق منفرد .وهو قديم جدا .تآكلت حواشيه الان صار مثل صف اسنان رجل عجوز .يوم ما كانت عربات تقل رجال ونساء روما تزخر بهم البلدة .وقد اعطوها زخما لا مثيل له حتى في مدن الشرق .تفد السيارات من بلدات متاخمة للبحر .تحمل براسيل التمر وقفاف السعف عبر حمولات كبيرة جدا .تجلبها مقطورات عسكرية لها ازيز مخيف . وعوادم لها رائحة كريهة تماما مثل رائحة اجسادهم كما عبر عنهم احد القاطنين في المملكة الغابرة.قال ( كنا نقيم جوار القصور الثلاثة.حين يفيض النهر .تجلب رائحة المطر طيور النورس المهاجزة .نعرف بحدسنا انهم قادمون .يأتي بهم غبش الفجر .يشقون دروبا وعرة.تبدأ رحلتهم من حوش الاعور .يمرون على ( البلفلليري ) يتزودون من المحال المنتشرة اسفل الاقواس .جل ما يبتاعونه علب البيرة البيضاء المعقودة بالسنابل الصفراء .وعيش الفينو وعلب الجبنة المطبوخة على النار .وفي النهاية يجلبون معهم مزيدا من الماء .يستمرون في المسير.يصلون الفراشيني ويستديرون شرقا في اتجاه تليتماس ووادي يور السحيق .يهبطون أحيانا عند شجرات البطوم يجنون مزيدا من القضوم الاخضر المتوج بالزيت .يتمززون به مجرد الوصول .
كان سرب السيارات صنيعة ماقبل الحرب الاولى .في ذيله ( خباشات ) لها اظافر مثل اظافر ابليس حين تلمس الارض يختفي نصفها في الارض .فينقلب الطوب الاحمر إلى اخاديد غائرة تسمح لهم بنثر البذور .
---------------
يبنون خياما ( من المشمع ) الجيشي.اغلب الظن انهم يأتون به من الثكنات المنتشرة على الطريق العام الواصل إلى ترهونة .
يطردوننا من محمياتنا على ضفاف كامبس وظلال القصور التى تتوج القمم السوداء وتقتسمها مع الطيور الجارحة .ننسحب نحن مع عوائلنا إلى الدبلاوات على الضفة الاخرى .
سرعان ما يبدأون في التخطيط لما جأوا من أجله.يضعون اسياخ من الحديد على حفرة كبيرة يضعون فيها قناطر سوداء تشبه الفحم .يضرمون فيها النار ساعة او بعض ساعة ثم يضعون القدور النحاسية اغلب الظن انهم ابتاعوها من السوق العتيق .يجلسون عبر حلقات متباينة لا يصطحبون فيها الاطفال ولا النساء .يضعون القدور في المنتصف ويشرعون في الاكل وشرب البيرا..وفي اليوم التالي يقفلون عائدين إلى بيوتهم المنتشرة عبر مزارع الزيتون .
كانت كل الاماكن بأسمائهم .جوني وسراكوزا ونابولي لم يتركوا احدا في روما إلا وقد جلبوه معهم إلى الارض الموعودة ) ..
اما سكان المدائن الذين تبقوا متشبثين بأرضهم وقد دفعوا بالضحايا من اجل ذلك .ينشأون طريقا رمليا محاذ لذلك الطريق .تراهم يوم الاربعاء ويوم السوق الكبير يأتون تباعا عبر قوافل من الدواب.تسمع رغاها من الماركوني .يحملون امتعة لا تستهوي ولا تناسب حضارة روما ..لكنهم يعيشون بها هؤلاء القرويين ومن أجلها.
كان الطريق العام رغم تهالك اجزاء منه .لكنه مازال يحتفظ بهدوئه المعتاد .تمر عربات مشمعة على الاجساد المرمية على جانبيه طلب لرزق او للوصول إلى بلدة ( الابيرات ) حيث تطلب الثكنات مزيدا من الخدم.احيانا كثيرة يمرون عليهم متنمرين وهم يقهقهون من فرط السكر .والمحظوظين منهم يقلونهم في الشاحنات الكبيرة .يصلون منهكين ومصابين بالدوار .يسرعون إلى بوابات الثكنات .حيث يكون في انتظارهم شبيه موسليني وهو يمسك بالسوط .يجلدهم على اجسادهم ويدخلهم إلى الاسطبلات المليئة بالخيل والبغال .كانت رائحة الارضيات تدعوا للغثيان لكنهم يتفانون في تنظيفها من اجل لقمة العيش والافواه المفتوحة التى في انتظارهم .
_________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق