رســـــــــالة غـــير مـؤرّخــــــة
كم مرة جئتني؟
وكم مرة هجرتني، ولم تعد؟
لم يكن لديّ وقتـئذٍ قلم وكراسة لأحصي لحظات مجيئك، وسنوات هجرانك،
ولأن مرورك كان ظلاًّ فارغا، مثل الدخان تراه يعلو سماءك وتحس غشيانه
وسرعان ما يتبدد في السماء ويتلاشى.
كان الطريق الذي سلكته خاليا من الناس، إلا ظلّك الفارغ أتتبّعه، لم أحص
سنين العمر التي تعرَّيت منها، وانسلخت من إهاب هذا العمر المتساقط.
يوما إثر يومٍ، وشهرا بعد شهرٍ، وعاما تلو العام.
ولأن الزمن متوقف بالنسبة إلي، إلا من ظلك الفارغ الذي ظل مؤنسي
فيما تبقى من أيام العمر. وحين استفـقت من سكرتي كان الطريق قد انتهى
إلى نفق مظلم.
توقـفت، توقـف العمـر، وتلاشى ظلك الفارغ في سديم الظلام .
دخلت عمرا آخـرَ لا أعرف أيامه، ولا لحظات تفاصيله، ولا ما يحيط ِبي .
كـل ما عرفته أن كل الأمكنة تغـيرت، إلاّ المكان الذي أنا فـيه وحده لم يتغير.
وهو كـل ما أعرف إلى حـدّ كتابة هذه الرسالة.
فيا ظِـلِّي الفـارغ.
إذا عدت مرة من هجرتك، وهجرانك، ومـررت من هنا.
تذكر من كان بالمكان مرابطا
واقرأ فاتحة الكتاب على من كان في انتـظارك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق